ila yafa

يتناول أيمن سكسك الشاب اليافاوي في إصدار أول وجديد باللغة العبرية "إلى يافا" هموم وعبئ الهوية لدى شاب عربي يافاوي فلسطيني يقع في غرام جندية إسرائيلية وكيف أن المجتمع الإسرائيلي وعشيقته لا تقبله. حيث يحاول سكسك من خلال القصة عكس واقع أزمة الهوية القومية لدى الشباب في بلده. من الذي يرفض الهوية، هي أم نحن؟؟ هل حقا الحب هو من أنكر بطل القصة أم أن هويته الشبه مبهمة والغير مستقرة هي التي ترفض معظم الشباب المحليين وبالأخص اليافاويين في مركز البلاد!


مستنكرين! هكذا هو حال أغلب الشباب اليافاويين، مستنكرين عن بلدهم وعن قوميتهم وعن بيوتهم وحتى عن أحيائهم. أما عن أيمن سكسك فهو إحدى الشباب الذي أخذ على عاتقه التمعن والتفكير المطول في موضوع الهوية من خلال كتاباته عن ذلك، ومن خلال سرده لأحداث يومية كثيرة وواقعية تحصل معه.

أصدر سكسك مؤخرا كتابه الأول إلى يافا باللغة العبرية، عقب منشورات عديدة في صحيفة هآرتس العبرية، فهو بدأ بالكتابة منذ حوالي الخمس سنوات.

باكورة الأعمال الأدبية التي أصدرها سكسك مؤخرا باللغة العبرية، تعالج قضية الانتماء القومي، بطلها شاب يحاول صياغة هويته وسط أجواء ينعدم بها الاستقرار ويحاول الشعور بالانتماء في مكان يصعب إحساس الانتماء له، حيث يظهر ذلك من خلال قصة حب شاب عربي يافاوي في مقتبل العمر بجندية إسرائيلية تدعى "نيتسان"، إلا أن "نيتسان" هذه تتنكر له ولحبه وتخفق برؤيته بعمق وبأبعد من مدى شخصيته النمطية كعربي يافاوي.

ضياع الهوية يبدأ من عدم إعطاء اسم لبطل الرواية، فحسب سكسك هو ليس أهم ما في الأمر، بل انه خطاب موجه للجانب الإسرائيلي المجاور، وهو يحاكي واقعا حقيقيا.

تكمن الرموز لدى المجتمع الإسرائيلي في إقصائه للأخر وعدم تقبله، وقد يظهر للبعض بأن سكسك قد اختار وضعا متطرفا لقصة حب فيها يقع الشاب العربي اليافاوي في مقتبل عمره بحب فتاة جندية إسرائيلية لم تتمكن من رؤيته كانسان ومن القبول به كما هو. قصد سكسك بذلك وقد حاول عرض شدة الصراع ومركبات الهوية بمكنوناتها الصعبة على الشاب اليافاوي المتواجد في تل أبيب. بذلك ينجح الكاتب بإظهار النقطة المركزية في عدم الاندماج وعدم تقبل المجتمع "التل أبيبي" لجيرانهم الذين يقطنون إلى جانبهم وهم اقرب ممن يكون إليهم ومن أبناء مجتمعهم العربي.

اختار أيمن الكتابة باللغة العبرية من أجل أن يبني جسرا يخترق به العقل الإسرائيلي، بحيث يمكنه من كسر الفوارق وحواجز أخرى قائمة، والتي بدورها تمنع احتكاكه مع جاره المقيم معه في نفس الحي والتي تمنعه من تناول مواضيع عينية أغلبها يرتبط بواقع يومي وسياسي غير متداول.

أيمن سكسك البالغ من العمر 26 عاما، ولد وترعرع في يافا بدأ تعليمه في المدرسة الفرنسية الكاثوليكية، ومن ثم التحق بمدرسة "سكولوف لاور" لإتمام تعليمة الثانوي هناك، وفي هذا الجيل أدرك أيمن تعقيدات المجتمع الإسرائيلي منها الاجتماعية والسياسية، كما وأكمل دراسته الأكاديمية ونال اللقب الأول في موضوع الأدب الانكليزي من الجامعة العبرية في القدس وهو اليوم يدرس للقب الثاني ويعمل كمساعد بحث في الجامعة العبرية، وأيضا مترجم، يكتب في صحيفة هآرتس منذ خمس سنوات.

عندما يبدأ القارئ بقراءة عنوان الكتاب إلى يافا يظن بأن الحديث هو عن عودة اليافاوي اللاجئ منذ عام 1948 إلى أرضه ووطنه، إلا أن سكسك لم يقصد ذلك، ففي هذه المرحلة هو يتناول مواضيع من تجربته اليومية والتي لها علاقة بمفاهيم هويته بالأخص "القومية". و يعتقد سكسك أن مركب ومصطلح "النكبة" يكمن وهو موجود بداخل الهوية لدى كل الشاب يعرف نفسه عربي وفلسطيني. لذلك لم يرد موضوع النكبة كموضوع مركزي في كتابه "الى يافا". أراد سكسك التحدث ومخاطبة الإسرائيلي، من خلال واقع يومي نعيشه ويقوم بتهميشنا وهو قادر على تجاهل أصحابه.

حين يتطرق إلى معقدات الهوية يسرد أيمن نمط الحياة في المدينة المختلطة، فهناك ذكر للاحتفالات والطقوس في الأعياد، وسكسك يقول بأن لديه العديد من الأصدقاء المسلمين والمسيحيين وأيضا اليهود، حتى أنه يذكر كيف كان يعيد في عيد البوريم!

نشأ لدى الكاتب صراعا آخر من خلال التركيبات المختلفة للمدن الكبيرة، فتجلى له الأمر حين قررت بلدية تل أبيب يافا بضم أسم مدينة يافا إليها حيث جردت يافا من حقها كمدينة عريقة ذات تاريخ، حيث تم شملها مع مدينة تل أبيب وصارت بذلك مجرد حي "تل أبيبي"، فبالرغم من تواجد المدينتين تل أبيب ويافا جنبا إلى جنب إلا أن سكسك مثل الجميع قادر على أن يرى الفروق بينهما وأن ليس هناك عامل مشترك ليتم به جمعهما كمدينة واحدة. ليس فقط، بل واستمرارا لمشروع البحث عن ذاته وعن هويته كان لديه تخبطا في أي المدن الكبيرة سوف يقصد من أجل تكملة تعليمه الأكاديمي فيختار مدينة القدس، وهناك تتنقل أحداث الكتاب في السفر بين مدينتي القدس ويافا ويستعرض هناك مركب الأقليات في كل مدينة وكيف أثّر عليه، ويحكي أيضا عن غربة اجتاحته في ذلك المكان فقد فشلت المدينة في احتضانه بسبب مركباتها الدينية والعلمانية وأمور أخرى، وذلك بالرغم من تأكده بأنه يكمن بداخل هذه المدينة دفئ كبير.

بالنسبة لأيمن الكتابة باللغة العبرية هي ليست حكرا يهوديا للأدباء اليهود فقط، لا سيما أن العديدين من الكتاب الذين يقوم أيمن بحذو خطوهم ويكن لهم التقدير والإعجاب على نصوصهم وأعمالهم الأدبية، قد اختاروا النشر باللغة العبرية ومنهم أنطون شماس، سلمان مصالحة ونعيم عرايدي، بالإضافة إلى سيد قشوع.

ويضيف سكسك: "بأن الكاتب العربي حين يقرر أن يكتب باللغة العبرية فانه بذلك يستطيع أن يوسع آفاق اللغة من خلال إضافاته وكتابته فان هذا يغير نمط الكتابة وإزالة النمط العبري الصهيوني المعتاد والمنتهج من خلال الكتابة باللغة العبرية. فهو يستطيع جعل اللغة منبرا يحاكي به ويخاطب من خلاله المجتمع الإسرائيلي وبذلك يكون هو حاضرا في مجتمع لا يرغب بالاستماع إليه وهذا يمكنه من فرض وجوده ومساواته مع الآخر رغما عنه.

يؤمن أيمن بالعيش المشترك والسلام، وهذا ما اكتسبه من خلال عيشه في الحي المختلط، فمنذ اندلاع الانتفاضة الثانية والعمليات التفجيرية بدأ أيمن يعي التعقيدات في المجتمع الموجود حوله، ومن ثم حاول التغلب على جميع الظروف وهو يؤمن بأن السلام الحقيقي سيحل بين الشعبين حين يتفق الطرفين على أنه ليس هناك حلا آخر سوى السلام.