العراقيب, 27.7.2010
الأسبوع الماضي، دمرت إسرائيل قرية كاملة. قرية عربية بدوية غير معترف بها: العراقيب، شمال النقب، على بعد بضعة كيلومترات شمالي بئر السبع، بالقرب من الطريق السريع 40.
مئات عناصر الشرطة والوحدات الخاصة، دوريات وجرافات شاركوا في هذه العملية. ثلاثون نشيطًا يساريًا من أنحاء مختلفة من البلاد تمكنوا من الوصول في اللحظة الأخيرة إلى العراقيب من أجل التضامن والاحتجاج، ولكن مع قوات من هذا النوع لم تكن لهم احتمالات كبيرة. الشرطة فصلت السكان عن بيوتهم، شكلت جدارا حيًا بين الناشطين والسكان والمنازل، وألقت القبض على عدد من النشطاء. النساء والأطفال أخرجوا من منازلهم، ثم على مرأى منهم، هدمت الجرافات حقولهم ومنازلهم، هدمت العراقيب.
لا مثيل لهدم بيت
نعلم بان هناك استغلالا وتمييزا، إهمالا وخصخصة — ليس فقط في إسرائيل. كذلك في دول يحلم السياسيون الإسرائيليون بالانتماء إليها، حتى في هذه البلدان البيضاء والأنيقة — هناك عنصرية وتمييز وحرمان. لكن تلك الدول لا تحارب مواطنيها، ولا تهدم منازلهم.
عندما يتم تجنيد مئات من قوات الأمن ووحدات الشرطة الخاصة، لعملية تبدأ مع ضوء الفجر، وعندما تعمل الجرافات لتدمير منازل المدنيين، يُعلن أنهم أعداء محتملون، لمنع خطر ما قد يحدث خلال عملية تدمير وعنف رسمية، فإنها الحرب. حرب حديث:الحرب ليست فقط دبابات، إنما جرافات أيضًا، ليس فقط الطائرات، بل تصاريح بناء وقرارات لجان. حكومة إسرائيل، نيابة عن دولة إسرائيل، تدير حربًا مستمرة ضد مواطنيها الفقراء والمحرومين. ليس مجرد اهمال، بل هو انتزاع ومصادرة، تهديد وتدمير.
علينا ان نتذكر: ان أهل العراقيب هم نفسهم من رشت حقولهم من الجو بالمبيدات، وتضررت صحتهم وجفت ودُمرت حقولهم. في الكنيست دار النقاش بين المدافعين عن رش المبيدات، حول كميات المبيدات المرشوشة وتركيزها، وإذا كان الناس يعانون حقًا من الصداع بسببها، وإذا ما كان من الممكن استخدام هذه المواد بتركيز أقل. لقد استغرق الأمر سنوات عديدة حتى أعلنت المحكمة العليا ان رش هذه المحاصيل غير قانوني.
العدو الداخلي
لماذا يدمرون؟ قبل يوم واحد فقط نشر خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ، خلال مناقشة قانون الولاء. وقال نتانياهو:
"نحن دولة قومية، الأمر الذي يعني أن السيادة الشاملة والكاملة في هذه الدولة محفوظة للشعب اليهودي... واليوم يوجد نقاش دولي ضد تعريف إسرائيل كدولة يهودية، وأنا لا أريد أن أترك الأشياء كما هي، لأننا معرضون لهجوم في هذه القضية. ما معناه ان أطرافًا مختلفة يمكن أن تطلب حقوق قومية، وميزات تخص الدول داخل دولة إسرائيل، في النقب، على سبيل المثال، إذا كان هناك منطقة بدون أغلبية يهودية، وهو ما حدث في البلقان، انه لتهديد حقيقي."
الأمور واضحة: الدولة لليهود فقط. المساواة بين المواطنين — الفردية والجماعية — يعتبر تهديدًا. وكما في اللعبة المعروفة باسم لعبة المرآة، يجيز التهديد الوهمي العدوان الفعلي. ويصبح البدو في لحظة "تهديدًا حقيقيًا"، ربما يحدث مثلما حدث في منطقة البلقان. ولكن ماذا جرى في البلقان؟ تطهير عرقي، لأكثر من عرق. جميع دعاة التطهير العرقي، يعللون أنهم يحمون أنفسهم من مجموعة من أقلية معينة، تهدد وجودها.
بماذا يُتهم البدو؟ كيف أصبحوا تهديدًا فعليًا؟ مجرد وجودهم: "قد تنشأ في النقب منطقة بدون أغلبية يهودية". انها وسيلة جيدة: يمكن التنقل من منطقة لأخرى للاستكشاف، انه في بعض المناطق في دولة إسرائيل لا يوجد غالبية يهودية، على سبيل المثال بين كفر قرع وأم الفحم، أو بين سخنين وعرابة. حسنًا، ألا يجب أن نفعل شيئا ضد التهديد؟ طبعًا! نسعى لبناء مدينة حريش في وادي عارة ، ليس كحل للضائقة السكنية، كجزء من الحل لصالح جميع السكان، إنما استغلالاً لأزمة السكن لدى المتدينين اليهود كأداة ضد السكان العرب، ومنع العرب من توسيع بلداتهم. على النحو الذي تم بناء المناطر— البلدات اليهودية الصغيرة في الجليل للتطويق والتفريق، لمحاربة "التهديد" الذي تشكله الحياة العربية في الجليل.
هذه الحرب مستمرة، حرب استنزاف ضد قسم من المواطنين، وهي حرب مع حظر البناء وأوامر الهدم، مع المفتشين والدوريات الخضراء.
وفي نفس الوقت يطالبون المواطنين العرب بالانضمام للخدمة المدنية واثبات الولاء للدولة، التي لا تودهم. خلال حملة هدم عادية في النقب قبل أسابيع قليلة مضت، تم هدم نادي الجنود البدو . فما هي الرسالة؟ واضح: إن أية خدمة، عسكرية أم مدنية، ليست ضمانًا للحقوق. جبال الجليل حيث يسكن الدروز لا تتمتع بأية مساواة، أليس كذلك؟
ترحيل، نقل، بناء وترحيل
لماذا يجب اجلاء أهالي العراقيب؟ لماذا يتم ترحيلهم؟ سكان العراقيب لا يسيطرون على أراضٍ. قريتهم موجودة هناك منذ ما قبل تأسيس الدولة. مثل آلاف آخرين من العرب البدو في النقب، الذين طردوا من أراضيهم، كإخلاء "مؤقت"، مع وعود بالعودة أو من غير وعود، بعد أسبوع أو ستة أشهر، لكن في الحقيقة للأبد، حيث تمت مصادرة أراضيهم. العديد من القبائل البدوية في النقب تم إجلاؤها وترحيلها.
فكان من الاسهل أن تصدق الدولة ان لا أراضي للبدو، وانهم مجرد مجموعات ترحل من مكان إلى آخر. من السهل أن يقولوا ذلك لأنفسهم، لتبرير نقل البدو القسري من مكان إلى آخر. الدولة تعيد البدو إلى رحّل قسرًا، كما تسميه الباحثة هناء حمدان.
يقولون للناس إن الدولة تسعى لتسوية على الأرض مع البدو، وجعل حياتهم "حديثة". لكن الممارسة العملية، تثبث ان الدولة تعمل على إعادتهم للترحال، وتقويض حيازتهم على الأرض. المدن التي اقيمت لتأويهم سُيّجت، مع التجاهل التام لطريقة عيشهم، ثقافتهم وحقوقهم، وبذلك لن يبقوا على هذه الأرض. وسيكونون مستودعا للقوى البشرية.
يمكن طرد البدو من مكان إلى آخر بسبب الوضع الأمني، على سبيل المثال في مطلع الخمسينات، كما امكن طردهم في السبعينات، من اجل معاهدة السلام مع مصر، وبناء قواعد عسكرية جديدة في النقب. يمكن ترحيلهم لأسباب بيئية، لأنهم يسيطرون على "مساحات مفتوحة"— ونقل آلاف الدونمات "للمزارع الفردية"، افراد يهود بالطبع ، للحفاظ على "الأراضي القومية" و"مناطق مفتوحة".
في الواقع، من دون أن يلاحظ المواطنون، وافقت الكنيست قبل بضعة أيام، في 17 تموز، على احد أهم القوانين في الآونة الأخيرة: قانون يجيز الاستيلاء على آلاف الدونمات بأثر رجعي لأراضٍ وموارد غير قانونية، قانون منح الأراضي إلى واضعي اليد على الأرض – لغزاة جيدين، مغامرين، لما يسمى بالمزارع الفردية.
من هم الغزاة؟
لصالح من يجب إجلاء أهالي العراقيب؟ من أجل عمليات التحريج للصندوق القومي الإسرائيلي. ولا أقل. اجلاء الناس لأجل الأشجار— والأشجار، كما يقر الصندوق القومي الإسرائيلي، تُغرس دون مخطط توجيهي ودون أي منطق أو مبرر من الناحية البيئية أو الزراعية. وهذه ليست أفضل الأشجار، ولكن المقصود غرس الأشجار الغازية، لضمان السيطرة.
ويمكن رؤية هذه الأشجار في أماكن أخرى. شاهدنا بعض الأشجار القريبة من المستوطنات في الضفة الغربية ، ومئات–مئات من النباتات، أحيانا مغروسة في براميل، لضمان السيطرة على الأرض، لمنع المزارعين الفلسطينيين من الدخول إليها. واذا تجولتم في حي العجمي أو قرية كفار شاليم، يمكن أيضًا رؤية غابات الديكور: لضمان السيطرة على الأرض، من اجل حقوق العقارات أو التضييق على خطوات السكان المحليين.
وحول العراقيب، يمكن أن ترى حقا مئات ومئات من الأشجار: تلال خالية من العشب صلعاء، تقف عليها مئات الأشجار كموكب جنود من مئات الأشجار، لمنع أهالي العراقيب من العمل في أراضيهم، وهذه الأشجار هي السياج الحي الذي يحيطهم.
العراقيب ليست سوى حالة واحدة: هناك قريتان غير معترف بهما، أم الحيران وعتير، شمال النقب يعيش أهاليهما في أراضيهم في ذلك المكان أكثر من خمسين عاما (تم نقلهم من مكان سكنهم السابق بأمر عسكري) – من المفترض أن يختفوا عن الوجود لأنه ستنمو غابة — حرش حيران. يجب أن تمعن النظر جيدًا كي ترى الحرش — لأنه لا أشجار هناك بعد. الغابة هي مشروع والسكان الحقيقيون هم عقبة. لكن وراء الغابة الوهمية يستتر مجمع سكني وهمي، بلدة جديدة، لليهود فقط — حيران. كجزء من تهويد النقب.
خطط التنمية الجديدة في النقب هي خطط سلب. لقد مر العرب البدو موجة عاتية من التجريد من أوائل الخمسينات، دفعوا الثمن مرة أخرى من معاهدات السلام مع مصر واضطروا لاخلاء ما تبقى من أراضيهم، والأماكن التي انتقلوا غالبا بفعل الأوامر العسكرية. والآن نحن نواجه موجة كبيرة قادمة. من المهم أن نرى هذه الموجة الوحشية ، تهدم خيارات التنمية المحلية لجميع المقيمين في النقب – من اجل تهويده، هي ثمرة التعاون بين رأس المال الخاص والشركات مع الدولة.
الخطة المستقبلية للنقب ("مخطط النقب")، أعدها مكتب استشارة أمريكي، مكينسكي وشركاه (أول شركة استشارية خاصة أن الجيش الإسرائيلي يستخدم خدماتها ) ، بمبادرة الصندوق القومي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية – JNF-US) .هذه تعد شراكة ضخمة للحكومة مع رأس المال الخاص والأجنبي. وأولئك الذين يجرؤون على الادعاء بفرض الولاء، بينما ولاءهم منحاز لمصالح عبر البحار! هل أنتم مندهشون حقا لاكتشاف أن شمعون بيرس دعم وساهم بوضع هذه الخطة ورحب به بكل حماس؟ الشريك الآخر لا ينسى أبدًا: هذا المشروع هو ربيب رئيس الصندوق القومي الإسرائيلي في الولايات المتحدة — الملياردير رون لاودر ، ويتم تنفيذ هذه الخطط الاستيطانية الجديدة بالتعاون ما بين الصندوق القومي الإسرائيلي و حركة "أور – مهمات وطنية", التي تهدف إلى تهويد النقب والجليل.
من شاهد إخلاء العراقيب، قد يقع في خطأ ويظن ان المواطنين البدو في إسرائيل يجابهون قوات الأمن فقط. ليس صحيحًا. انهم يقفون أمام الدفاع عن حقوقهم الأساسية، و يواجهون جهازًا كاملاً يعمل ضدهم، رسميًا وغير رسمي، والصندوق القومي الإسرائيلي وقوات الأمن والشركات والمستوطنين، وعلينا أن نقف إلى جانبهم لأن المعركة صعبة.
وراء كل هذا تقف او تختبئ فرضية ترافق كل حياتنا هنا: حل المشاكل يتم دائمًا عن طريق نزع الملكية ونقلها، عن طريق جلب "مجموعة قوية" بدلا من "مجموعة ضعيفة"، يهود بدل العرب (ولكن يهود موالون فقط، بطبيعة الحال!) إجلاء – بناء، وإزالة البناء والعودة مرة أخرى... ليس فقط نزع الملكية ومنحها لأشخاص جدد ملائمين! منح المساحات المفتوحة والأرض، والمناظر الطبيعية، ولكن أيضًا تدمير النسيج الاجتماعي للاحياء، والمجتمعات التي يهدمونها ويعيدون توطينها. هكذا أيضًا يريدون ترحيل أهالي دهمش في وسط إسرائيل، بين اللد والرملة. وكذلك إخلاء حي العجمي من سكانه العرب لصالح "مجموعة قوية".
دولة إسرائيل تؤمن في تبديل الناس. نحن بحاجة لتغييرالطريقة — وليس الناس الذين يعيشون هنا.